المحامي الفرنسي جاك فرجاس ...المحامي اللغز السفاح كارلوس,كلاوس باربي, بول بوت,سلوبودان ميلوسيفيتش,وأخيرا صدام حسين.. تلك هي بعض الأسماء التي تحفل بها قائمة موكلي المحامي الفرنسي الشهير جاك فرجاس.والقائمة الطويلة
السفاح كارلوس,كلاوس باربي, بول بوت,سلوبودان ميلوسيفيتش,وأخيرا صدام حسين.. تلك هي بعض الأسماء التي تحفل بها قائمة موكلي المحاميالفرنسي الشهير جاك فرجاس.والقائمة الطويلة من مجرمي الحرب النازيين,والطغاة والارهابيين التي جعلته يفوز بلقب' محامي الشيطان' بسبب اصراره علي اختيار القضايا الاكثراثارة للجدل وللدفاع عن بعض أسوأ طغاة ومجرمي العصر الحديث.ومن يلقي نظرة من قريب علي حياة الرجل يجد انها ايضا محيرة ومثيرة للجدل.
ولا يظهر فرجاس الذي اقترب من الثمانين اي بادرة ندم علي تولي الدفاع عن اشخاص لا يجرؤ أحد علي التشكيك في ان اياديهم ملوثة بالدماء بل أكد ذات مرة في حديث لصحيفة المانية انه'كلما ازدادت خطورة الاتهامات ازداد حق المتهم في الحصول علي دفاع''
وعن الصلة التي تربطه بموكليه يقول انه' يحمل ذكريات كثيرة عن كل واحد من موكليه داخله ويشعر بان هناك رباطا ابديا يربط بينهم'الأكثر من ذلك انه اعترف بانه كان يتمني لو كان قد تولي الدفاع عن الزعيم النازي ادولف هتلر!
وبالنسبة للكثيرين فان قرار فرجاس بتولي الدفاع عن صدام حسين ما هو الا تحد اكبر يريد المحامي ان يتوج به حياته المهنية ويثبت للجميع انه مازال ينبض وان السن لم تصب عقله بالوهن.وربما اراد فرجاس ان يختتم صولاته وجولاته في المحاكم بالدفاع عن عربي مثلما بدأها بالدفاع عن عربية هي المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد والتي تزوجها فيما بعد ولكن شتان ما بين جميلة وصدام.وهذا الفرق الشاسع بين الاثنين يجسد الهوة بين النصف الاول من حياة فرجاس والنصف الثاني.
فكيف بدأ فرجاس حياته العملية كمحام شجاع يدافع عن الضعفاء والمظلومين حتي لقب في تلك الفترة بـ بطل اليساريين'وانتهي إلي ان يكون محامي الشيطان.
دم مختلط
ولد جاك في تايلاند وكان والده ريموند فرجاس, طبيب فرنسي, يتولي منصب قنصل فرنسا في سيام(اسم تايلاند في ذلك الوقت)وام فيتنامية.وبسبب تلك الزيجة طرد ريموند من السلك الدبلوماسي مما دفعه لاصطحاب اسرته الصغيرة إلي جزيرة لا رونيون الفرنسية والعودة لممارسة مهنة الطب وحول المنزل الي مستشفي. ونشأ جاك في ذلك الجو المشبع بالالم والمرض وعن تلك الفترة يقول:' ذكرياتي الاولي هي عن المعاناة والالم كنت اتجول في المنزل بين اشخاص يعانون من السرطان,ومرض الفيل والذئبة والجذام.وبجانب كرهه الشديد للمرض والضعف, اكتسب فرجاس في اثناء اقامته بجزيرة لارونيون مشاعر قوية معادية للاستعمار وتلك المشاعر هي التي تحكمت بصورة كبيرة في اختياراته للقضايا في بداية حياته المهنية.
وفي عام1942 عندما بلغ السابعة عشرة,انضم فرجاس لصفوف المقاومة الفرنسية بقيادة الزعيم الفرنسي الراحل شارل ديجول وقاتل النازيين.ولكنه سرعان ما تحول الي الشيوعية وذلك في اثناء دراسته للقانون بجامعة السوربون.وانضم الي صفوف الطلاب اليساريين الذين كانوا يناضلون من أجل تحرير شمال افريقيا.وفي تلك الفترة ايضا نشأت صداقة قوية بين فرجاس وزعيم الخمير الحمر بول بوت.
جميلة بوحريد نقطة ضوء في حياته
وفي اوج معركة الاستقلال في الجزائر في اواخر الخمسينيات,تولي فرجاسالمحامي الشاب حينذاك الدفاع عن المناضلة جميلة بوحريد ذات العشرين عاما والتي كانت متهمة بالانتماء لجبهة التحرير الوطنية الجزائرية وتنفيذ عمليات تفجيرية ضد منشآت فرنسية.واستطاع فرجاس ان ينقذها من الاعدام وكان قد وقع في غرامها الا انه لم يتزوجها الا في عام1965 بعد سبع سنوات من اطلاق سراحها وكان قد تحول الي الاسلام.وقد انجبا طفلين واقاما في الجزائر.
وخلال تلك الفترة,فترة الستينيات,كانت السلطات الفرنسية قد منعت فرجاس الذي كان قد اكتسب شهرة عريضة بوصفه محاميا شجاعا يتولي الدفاع عن الثوريين الجزائريين وعن حقوق الفلسطينيين وكان محامي منظمة التحرير الفلسطينية المحظورة في تلك الفترة, من ممارسة المهنة بوصفه يشكل تهديدا امنيا.وعندئذ سافر فرجاس الي المغرب وعمل مستشارا للحكومة وفي الوقت نفسه كان يخطط لعمليات توصيل الاسلحة للجماعات الثورية في انجولا وموزمبيق وجنوب افريقيا.كما اسس مجلة ثورية.
ولع بالقضايا الجدلية
وفي عام1970, ودون سابق إنذار اعلن فرجاس عن توجهه الي اسبانيا في رحلة قصيرة الا انه اختفي ثماني سنوات كاملة دون ان يعرف احد عنه شيئا ولا حتي جميلة بوحريد التي استصدرت حكم تطليق اثناء غيابه.وفجأة ظهر فرجاس في باريس في عام1978 ويرفض حتي الآن الإفصاح عن اسباب اختفائه او اين كان.
عاد فرجاس الي ساحات المحاكم في نفس العام ولكن بدلا من ان يدافع عن المتطرفين اليساريين فقط بدأ يتولي الدفاع عن اشخاص من جميع الاتجاهات السياسية بشرط ان تكون القضية مثيرة للجدل بما فيه الكفاية.وتقول صحيفة المانية ان فرجاس عاد بأجندته نفسها المعادية لاسرائيل وفرنسا واخذ يدافع عن اي ارهابي بشرط ان تكون قضية سياسية.
ويعد عام1983 نقطة تحول في حياة فرجاس حين قبل الدفاع عن كلاوس باربي قائد الجستابو في مدينة ليون الفرنسية والمتهم بترحيل الآلاف من الاطفال اليهود الي معسكرات في بولندا.وعندما سئل فرجاس عن اسباب قبوله تلك القضية قال'انا ضد الاعدام دون محاكمة قانونية وهو ميل متأصل لدي الكثير من الشعوب ولذا عندما اشعر بأن هناك استعدادا لاصدار مثل هذا الحكم فمن واجبي ان اقف الي جانب المتهم.واستمرت المحاكمة شهرين استطاع خلالهما فرجاس ان يمرغ انف فرنسا في ماضيها. وأكد أن ما ارتكبه باربي ليس أسوأ مما ارتكبه الجنود الفرنسيون من اعمال وحشية خلال حروب فرنسا الاستعمارية وقد انتهت المحاكمة بإدانة باربي ولكن كسب القضية لم يكن ابدا هدفا من اهداف فرجاس ولكن الهدف علي حد تعبيره هو اعطاء درس في التاريخ,واجبار فرنسا علي مراجعة ماضيها.فهي فرصة للمتهم والقضاة وللمجتمع للتفتيش داخل الذات.
الدفاع حتي النهاية
ان فن المرافعة في حد ذاته هو الاهم لدي فرجاس وليس نتيجة المحاكمة. فهو يدرك جيدا انه نادرا ما يكسب قضاياه ولكنه ينجح دائما في قلب الاوضاع وفي ان يضع مقيمي الدعوي في موضع اتهام وهو نفس التكتيك الذي يتوقع ان يستخدمه في الدفاع عن صدام حيث سيحاول إدانة الولايات المتحدة بمساندة النظام الديكتاتوري الدموي لصدام طوال السنوات الماضية وامداده بشحنات الانثراكس التي استخدمها ضد الاكراد. ليس هذا فقط بل من المتوقع ان يطالب باستدعاء وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد لاستجوابه حول مهمات' النيات الطيبة' للعراق في عامي1983 و1984.وقد وصف فرجاس,في حديث لمحطة سي بي اس التليفزيونية الامريكية رامسفيلد بانه' مندوب مبيعات السموم الجوال'كما اتهم الولايات المتحدة بانها تلعب دور القاضي والمحلفين ومنفذ الاحكام في هذه القضية وان الرئيس بوش قد اصدر حكمه مسبقا بتأكيده ان صدام مذنب ويخشي الآن ان ينفذ الحكم بقتل صدام.
وعلي الرغم من ان المعالم الاساسية لمحاكمة صدام لم تتحدد بعد الا ان فرجاس بدأ يعد العدة لمرافعته القادمة.فسنواته الثمانون لم تؤثر علي ادائه ولا يبدو عليه اي من اعراض التباطؤ.فالمحامي النجم لا يزال يتبع نفس اساليب العمل القديمة نفسها وليست لديه سيارة او تليفون محمول ولا يعمل بالكمبيوتر.
وعن فلسفته في الحياة يقول فرجاس: إنه يهوي جمع قطع الشطرنج القيمة,والهدايا الثمينة من العملاء الشاكرين بانه يراقب العالم بعين الطفل والعجوز وبعين المقهور والفاتح في آن واحد.وعن ولعه بمهنة المحاماة يؤكد فرجاس ان الكاتب الحقيقي يجب ان يواصل الكتابة حتي آخر لحظة والمحامي العاشق لمهنته يجب ان يستمر في المرافعة حتي آخر نفس.
لا يمكنكم مشاهدة باقي المشاركات لأنك زائر ..
إذا كنت مشترك مسبقاً معنا .. فقم بتسجيل الدخول بعضويتك المُسجل بها
للمتابعة و إذا لم تكن كذلك فيمكنك تسجيل عضوية جديدة
مجاناً (
من هنا )