الذكرى الـ 34 لرحيل جوهرة منطقة القبائل طاوس عمروش.. الأسطورة التي غابت عنها الشمس كتبت اسمها بأحرف من ذهب في سجل الثقافة الأمازيغية، وكانت واحدة من بين النساء اللائي
كتبت اسمها بأحرف من ذهب في سجل الثقافة الأمازيغية، وكانت واحدة من بين النساء اللائي عرفتهنّ الجزائر من جيل المثقفات السابقات لجيلهنّ. أثرت المدوّنتين الثقافية والفنية بأعمالها القيّمة والخالدة، واستطاعت أن تجد لنفسها مكانة مرموقة في زحمة الموجود. فنانة سيظل اسمها راسخا في الذاكرة رغم مرور أربعة وثلاثين عاما على رحيلها.. إنها الأسطورة طاوسعمروش التي عانت ازدواجية الانتماء ورحلت مشحونة بالكبرياء.
بعد أزيد من ثلاثة عقود على رحيلها، لاتزال طاوسعمروش حاضرة دوما في أذهاننا، ورغم التغييب الذي طالها في جزائر الاستقلال، يبقى الحديث عن أيّ فرد من عائلة ”آل عمروش” ليس بالأمر الهيّن، فنحن هنا بصدد تسليط الضوء على عائلة أفنت زهاء نصف قرن من حياتها، لخدمة الحقل الفني وإحياء التراث الثقافي الأمازيغي، وكذا المحافظة على الهوية والصمود أمام النسيان والمنفى.
لقد كانت عائلة ”آل عمروش” من صفوة المثقفين الجزائريين بعد نهاية حرب التحرير، بيد أن جزائر ما بعد الستين، تنكّرت لها وجعلت إبداعاتها طي النسيان، كما أنها ضربت بكل ما جادت به قريحتها الفنية عرض الحائط، ولم تلتفت الجهات الوصية حتى إلى ذكراها.
طاوس عمروش أو ”لويز ماري”، التي ولدت في 4 مارس 1913 بتونس، وتوفيت يوم 2 أفريل 1976 بـ ”سان ميشال” بفرنسا، ساهمت إلى حدّ بعيد في بعث التراث الأمازيغي الشفوي ونقله كتابيا، حيث إنها دوّنت كل ما لقنته لها والدتها ”مارغريت فاطمة آيت منصور”، من حكايات وأشعار وأساطير وأمثال وحكم شعبية، فضلا عمّا كتبته من قصائد غنائية باللّغة الفرنسية العابقة بروح الثقافة الأمازيغية الأصيلة، والتي ناضلت من أجل الحفاظ عليها عن طريق الرواية. فطاوس عمروش تعدّ أول روائية في شمال إفريقيا، بعد أن وقعت روايتها الشهيرة ”الياقوتة السوداء” الصادرة العام 1947، والتي جاءت بأسلوب حيوي يترجم تأثرها البالغ بالثقافة الشفوية التي طبعتها ببصمتها الخاصة، كما أنها ارتأت ردّ الجميل لوالدتها عبر مؤلف عنونته بـ ”مارغريت طاوس”، وذلك إلى جانب أعمال روائية أخرى، بالإضافة إلى خوضها غمار الأغنية، هذه الأخيرة التي أدّت العديد منها باللّغة الأمازيغية، خصوصا في الطابع ”الأوبيرالي”، أو ما يعرف في منطقة القبائل بـ ”أشويق”، النمط الغنائي الذي اشتهرت به ومثلت الجزائر من خلاله في عديد المحافل الدولية، كـ”مهرجان داكار للفنون الزنجية” العام 1966، وهي نصوص جمعها وترجمها أخوها ”جون الموهوب” إلى اللغة الفرنسية، في كتاب ”الأغاني البربرية”.
وقد عرفت طاوس، ابنة ”بلقاسم عمروش” الذي تعود جذوره إلى قرية ”إيغيل علي” ببجاية، بنضالها المستميت من أجل إحياء الثقافة والهوية الأمازيغية، حيث شاركت في تأسيس الأكاديمية الأمازيغية بباريس العام 1966، إلاّ أنها سرعان ما انسحبت منها مع بداية تسييس القضية الأمازيغية، كما أنها كانت تحمل في شخصيتها الكثير من التراجيديا التي يتعانق فيها الواقع بالخيال، إلى درجة أن قال عنها أندريه بروتون: ”إنها الملكة نيفرتيتي بعثت من زمن آخر”.
وعن حياتها الشخصية، فقد ارتبطت طاوسعمروش بالفنان التشكيلي الفرنسي أندريه بورديل، بيد أن القدر فرّق بينهما، بعد أن أنجبت ابنتها الوحيدة ”لورانس بورديل عمروش”، التي كانت مولعة بشخصية والدتها، إلى درجة أن اعترفت في أحد تصريحاتها: ”كانت والدتي عنيفة ومرهفة الحس، تميل إلى التّملك، إلاّ أنها تتوق إلى الحنان والرقة، كانت شخصا يجمع عدة تناقضات في شخصية واحدة، فقد عانت لمدة طويلة من المنفى وازدواجية الهوية، كما عانت لأنها لم تعرف في حياتها حب رجل”. مردفة: ”أعترف أنها كانت فعلا شخصا رائعا، وقد توفيت بين ذراعيّ، وخلال كل تلك الفترة التي احتككت بها، كنت مطلعة جدا عمّن تكون فعلا، ولأنها كانت تريد حمايتي من معاناة ازدواجية الانتماء”.