أكله صل اللهعليهوسلم لمن يتدبر فيه يجد عجباً، هذا النبي الكريم بلغ من جوده وكرمه أنه وزَّع في يوم واحد ألف جمل على أربعة من أصحابه! انظر إلى هذا العطاء! وأعطى رجلاً من أصحابه غنماً بين جبلين! وساق في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين!.
وكان معه من أصحابه كثير من أصحاب الأموال كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم، وبذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه، وقد أمر بالصدقة فجاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بنصفه، وحث على تجهيز جيش العسرة فجهَّزه عثمان بألف بغير، إلى غير ذلك، وكان صل اللهعليهوسلم وهو الحريص علينا كما قال فيه ربه:
(حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )(128) (التوبة).
يعلِّمنا الهدى النبوي الكريم، والسَنن الإلهي القويم، فكان يدَّخر لكل زوجة من زوجاته قوتاً يكفيها لمدة سنة مرة واحدة، ويقول لنا:
{ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ }
من الإثم أن يضيع الإنسان من يعوله بحجة عبادة الله، وبحجة طاعة الله، لأن هذه الحجج يجب أن تكون مطابقة لأحوال سيدنا رسول الله صل اللهعليه وسلم.
وكان صل اللهعليهوسلم عنده أغنام لكنه كان حريصاً أن لا يزيد عددهم على المائة، كل ما زاد عن المائة يذبحه للضيفان، وكان له منائح ـ يعني أغنام ذات ضَرٍّ ولبن ـ يأكل من لبنها، وكان له دجاجاً، وتحكي السيدة عائشة رضي الله عنها عن أدب هذا الدجاج، وحتى عن وحش (حيوان برى) كان عند آل بيت النبى صل اللهعليهوسلم فتقول:
{ كَانَ لآلِ رَسُولِ اللَّهِ صل اللهعليهوسلم وَحْشٌ، فَكَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صل اللهعليهوسلم اشْتَدَّ وَلَعِبَ فِي الْبَيْتِ،- وفى رواية: أسْعَرَنَا قَفْزَاً- فَإِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّه ِصل اللهعليهوسلم سَكَنَ ،- وفى رواية : أقْرَدَ،- فَلَمْ يَتَحَرَّكْ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُؤْذِيَ رَسُولُ اللَّهِ صل اللهعليهوسلم }
وكان له خيولاً، وكان له جمالاً يركبها، وكان له بغالاً، والبغل أهدئ من الجمل في الركوب والمشي، وكان له حميراً، وكان يُسمِّي كل واحدة من هؤلاء بإسم، سمَّي حماراً من هذه الحُمر بإسم يعفور، وكان حماراً مُعلَّماً، فكان النبي إذا أراد رجلاً من أصحابه يقول له: أريد فلاناً؟ فيمشي الحمار إلى أن يصل بيته فيضرب الباب برأسه، فيعلم الرجل أن الرسول صل اللهعليهوسلم يريده فيمتطي الحمار ويرجع به إلى رسول الله صل اللهعليه وسلم.
ومع ذلك كان صل اللهعليهوسلم هديه الأساسي في الطعام أنه لا يشبع من طعام قط، لا يأكل إلى حدِّ الشبع، وأظن أنكم تعلمون جيداً أن معظم أمراض هذا الزمن سببها الشبع، وكان يُعلِّم أصحابه على ذلك، كان الهدى الذي سنَّه لأصحابه أنهم يخرجون مبكراً إلى العمل بعد صلاة الفجر فيقول لهم:
{ اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا }
وبعد صلاة الظهر يأمرهم أن يقيلوا أي ينامون نوم القيلولة، فيقول:
{ اسْتَعِينُوا بِرُقَادِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ } ، وأيضاً:
{ قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَقِيلُ }
-وكان اختياره صل اللهعليهوسلم للجوع أمر ارتآه نافعاً لنفسه ولصحبه.
-ولم يكن اضطراراً لقلة الشيء، فقد قال صل اللهعليه وسلم:
{ عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي عزوجل لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، فَقُلْتُ: لا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا، وَأَجُوعُ يَوْمًا، فَإِذَا جُعْتُ، تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ، وَشَكَرْتُكَ }
اختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له، ولذا قال الطبرى كما حكاه عنه في فتح الباري: لأن ذلك لم يكن لعوز وضيق، بل تارة للإيثار، وتارة لكراهية الشبع وكثرة الأكل.
فكان صل اللهعليهوسلم لايأخذ مما آتاه الله عزوجل إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله عزوجل.