قرأت لكم مقالا عن التفكير . للكاتب (داود قزريط ) . يقول فيه :من سمح لك بأن .. تُفكّـــرْ ؟
بروفيسور في جراحة الأعصاب من الهند يُشار إليه بالبنان في تخصصه.. كل شيء فيه يجعلك تحترمه ،ذكاؤه ..حنكته..دقة ملاحظاته ..واستنتاجاته..دون أن ننسى أبحاثه ...
يالفيلا التي يقطن فيها ،حديقة واسعة بها أشجار وحشائش وورود، غابة من الطراز الذي تراه في المنتجعات الأوروبية ..لكن ما يثير الانتباه تلك البقرة الضخمة تتجول بحرية وكأن كل هذا الحشيش خصيصا من أجلها، ينحني الرجل أمامها بإجلال ..آه هو من عباد البقر تنتاب البقرةَ رغبة في التّبول ..لكن مال هذا الطبيب يهرول مسرعا نحوها .. هل أصابها مكروه أم.. ما ..ماذا ؟ هل هذه هلوسة أم أن الرجل حقا مخبول؟ إنه يقوم بألعن شيء شاهدته في حياتك .. يتمسح ببول البقرة ..يغسل يديه .. يمسح وجهه؟ ما هذه القذارة ؟؟؟؟ ***بعض الناس لهم لحظات جنون ..يبدو أن هذه لحظته....
***حسنا ماذا أصاب الرجل ؟ كلنا نعلم أن هناك من يعبد الشمس، أو البقر، أو حتى الجرذان ..لكن مهما تملك من سعة خيال سوف لن تتصور ما قام به الرجل ..ليس أي رجل.. بل طبيب جراح وليس أي جراحة بل أعقدها ..جراحة الأعصاب ؟
كل ما هنالك أن سيادة الطبيب ورث الأمر عن أبويه اللذان ورثاه عن أبويهما.. وهكذا ...
حسنا فأين العقل ؟ أين التفكير المنطقي ؟ ببساطة لا عقل ولا منطق في أمور اللاهوت أو أمور الدين.. الرجل أطلق العنان لعقله في تخصص الجراحة فذاع صيته في الآفاق أما في أمور التّدين فصنع حاجزا من فولاذ بينه وبين عقله بحيث ولا بصيص من نور العقل يستطيع أن يتسرب إلى تلك المنطقة .
ما دخلنا نحن ؟ لماذا نتحدث عن الرجل؟
***ببساطة لأن العديد من المسلمين يتصرفون مثل هذا الهندي.. طبعا لا أقصد عبادة البقر بالذات، بل ما ألجأه إلى عبادة البقر.. وهو وضع حدود للعقل.. هناك مجالات لا يسمح فيها للعقل بالخوض فيها بحجة أن الأمر فوق تخصّصه .. وهذا بالضبط موضوعنا الآن ..
***هل للعقل حدود؟
البروفسور المسلم جيفري لانغ ،أستاذ الرياضيات في إحدى الجامعات الأمريكية، اشتهر أكثر بعد أن ألف كتابا عنونه بـ"حتى الملائكة تسأل" يحكي فيه عن واقع الإسلام والمسلمين في الغرب ، هو كتاب جدير بالمطالعة بحق،خصوصا عندما يفصّل واقع المنتسبين الجدد إلى الإسلام والتحديات التي يواجهها أبناء المسلمين المغتربين، لكن ما يهمنا في موضوعنا هو مرحلة مهمة من حياته تعلم منها درسا أساسيا سينفعنا نحن بالتأكيد:
ذكر قصة هجرته إلى السعودية (مسقط رأس زوجته) على أساس أن يجد بيئة إسلامية له ولزوجته وأولاده طالما حلم بها،لكن المفاجأة أنه لم تأت نهاية السنة إلا وهو في الطائرة العائدة إلى أمريكا مع أهله في أشد حالات الأسف.. لأن البيئة التي صبر فيها على مضض طوال سنة لم تكن أبدا مثل التي كان يتوقعها..أبدا
والسؤال هو لماذا ؟
بعقلية الإنسان الذي يبحث دوما عن الحقيقة، يبحث دوما عن الجواب لتساؤلاته، كان يقرأ كتب العلماء وأبحاثهم ودراساتهم وتفاسيرهم ... طبعا وجد إشكالات لم يفهمها و مفاهيم لم يهضمها وآراء لم يقتنع بها ،هنا كان يطرح أسئلته أو يقدم ملاحظات عن فتوى معينة..أو يعبر عن رأيه في كتاب من كتب السلف ... لكنه يواجه باعتراضات و انتقادات جافة لتشكيكه في صحة أقوال أهل العلم حتى قدّم له أحد زملائه نصيحة قائلا:صحيح أنك كنت يوما ما ملحدا فلم تكف عن تساؤلاتك حتى وصلت إلى الدين الحق .. لكن بما أنك الآن مسلم فلا يسعك إلا أن تثق في ما يقوله العلماء وأن تكف عن التشكيك وزرع البلبلة بأفكارك.. فهم بالطبع أعلم منك بالدين وأكثر إلماما بما يتعلق به من لغة وفقه و..و..و؟ما آلمه كثيرا هو أن زميله هذا أستاذ ..ليس أي استاذ بل استاذ جامعي يفترض منه أن يعرف معنى التفكير المنطقي والنقد البناء و..و..وكل هذه الأمور؟؟
ترى ما هي ردّة فعله ؟ كيف سيتصرف؟
لم يتحمل البقاء أكثر من سنة واحدة في تلك البيئة وعاد إلى وطنه قائلا:
أفضل أن أعيش في أمريكا مع ما فيها من معوقات وعراقيل في ممارسة الدين مفضلا ما تضمنه لي من حرية التفكير كما أريد، من أن أعيش في السعودية وعقلي مكبل بالأغلال؟
سؤالنا الآن هو:
هل معه حق أم لا؟ أم أن هناك حدودا للعقل والمنطق؟
ربما هناك أمور لا مجال فيها للمنطق.. ربما هناك حدود لا يستطيع عقل الإنسان الخوض فيها..بل يجب أن تُقبل كمسلّمات؟ إن كانت هناك مسلّمات فمن يحددها يا ترى؟ هل الديانة نفسها أم رجل الدين أم شخص ثالث؟ *هل حقا هناك ما يسمى بالمسلّمات ؟
ليس الآن فقط بل في كل العصور وليس في الإسلام فقط بل في كل الديانات نجد علماء الدين يفرضون على أتباعهم رقابة فكرية، دائما هناك خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها، هناك أمور لا يسمح أبدا التفكير فيها، بعبارة أخرى مسلّمات تقبل ولا تناقش..لماذا ؟ طبعا لأن العلماء قالوا ذلك..
تسأل لماذا قالوا ذلك ؟
حسنا، لأنهم علماء.. هل أنت منهم أو أعلم؟ إذن لماذا لست مصنفا ضمنهم؟
جيفري لم يستطع أن يتأقلم مع ذلك الواقع..
كلما تساءل ..وجد أمامه حاجزا ،كلما أراد أن يناقش وجد أمامه جدارا من الصلب، [/sizeيواجه كيانا يحاول أن يغتاله..نعم وأي اغتيال.. اغتيال العقل، أفضل شيء قدمه الله تعالى للانسان ..به كرمه وأعلى شأنه. ]كيف تتوقع النتيجة ؟ وجد جيفري نفسه طبعا لم يكن لشخص مثل جيفري أن يتنازل عن عقله،لو كان أحدا سواه فربما اقتنع بكل ما يقوله ويقرره أهل العلم وأهال التراب على تفكيره.. لكن بالنسبة لرجلنا فالأمر مختلف تماما..
كيف يمكن لرجل بقي سنة كاملة -قبل إسلامه- يتناطح مع القرآن الكريم، حفره حفرا –إن صح التعبير- بحث فيه عن كل ما يمكن أن يثبت أنه هراء شاحذا كل طاقات عقله الرياضي عله يصل إلى تناقضات أو ترهات أو أي شيء من هذا القبيل ،لكنه أخيرا اقتنع بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الكتاب أعظم من أي شيء،بالاضافة إلى منطقيته وجد فيه أجوبة عن كل تساؤلاته التي صاحبته طيلة حياته، كيف يمكن لمثله أن يقبل أن يمارَس على عقله حظر التجوال أينما يريد ؟ويلزم أن يفكر مثل من سبقوه ؟
حتى انه صرح قائلا: أحسست طوال فترة اقامتي بالسعودية أن مستوى ايماني قد نقص كثيرا مقارنة لما كان عليه في امريكا لأني عشت فترة من الجمود العقلي وبالتالي أصبحت أتعامل مع الإسلام بروتين قاتل، أما في أمريكا فكانت هناك دائما تساؤلات واشكالات وبالتالي مناقشات وبحث وتنقيب في هذا القران لاكتشاف أمور ومفاهيم جديدة، دائما هناك تعلم واستزادة .
من لا يفكر مثلنا فهو ضدنا .. على شاكلة الأمريكان -من ليس معنا فهو عدونا – بهذا المنطق الفاسد يتعامل معظم الزعماء (زعماء الدين أو السياسة) مع الأتباع، وعندما نعود قليلا الى الوراء ونستنطق التاريخ فسنجد أن غاليلي أحرقته الكنيسة لأنه علّمهم أن الأرض كروية ، هم لم يسمحوا له أن يفكر أكثر مما ينبغي فاتهموه بالزندقة وأحرقوه،حاليا سياسة الحرق لم تبق سارية المفعول لكن التكفير والتهجم لا زال قائما مع كل من لا يفكر مثلنا أو يأتي بآراء جديدة مثل المفكر مصطفى محمود وعدنان الرفاعي وفتح الله كولن ..وغيرهم
والأدهى من ذلك أن غالب الردود الموجهة لهؤلاء ليس لها اساس علمي، كل ما هنالك انه لا يسمح لطبيب او مهندس أن يتكلم في غير تخصصهنعود الى جيفري....
لو وضع جيفري لتفكيره حدودا هل سيصل يوما الى حقيقة الإسلام؟ طبعا لا داعي لأن نذكر بأن شخصا مثله لا بد أن تصادفه في طريقه مئات الاسئلة (الشاذّة) عن الله وحقيقته الحياة الدنيا وعن ما بعد الموت ..من طراز :هل الله موجود ..ان كان كذلك فأين هو وكيف يبدو ؟ هل هو واحد أم متعددون؟ هل يصح ان نتساءل من خلق الله ...؟؟
كل هذه الأسئلة التي تبدو متطرفة لمن هو في الإسلام اصلا هي في الحقيقة مفاتيح يدخل بها الإسلام شخص مثل جيفري ..
علماء المسلمين يعتبرون طرح هذا النوع من الأسئلة ممنوعا خشية أن يؤدي الامر الى الكفر أو الشرك لكن يبدو أنهم لم يتساءلوا عن حال غير المسلمين، ماذا لو طرح لك سؤال من هذا القبيل من طرف ملحد هل تجيبه أم تخبره بأن طرح هذا السؤال غير مقبول ؟ اليس الافضل لنا ان نحرر عقولنا من عقالها ونفكر ..لو كانت معرفة الاجوبة لهذا النوع من الأسئلة شيء ضروري لغير المسلمين (كي يقتنع بالاسلام)فلماذا يمنع المسلمون؟
هذا عن التساؤلات الاكثر تطرفا فماذا عن الأسئلة الاخرى أو الاشكالات الاخرى؟ لو اجتزت امتحانا صعبا من مستوى البكالوريا هل ستعجز عن اجتياز الامتحانات الآتية في الجامعة؟ عندما يدخل ملحد ما الى الإسلام بعد تفكير عميق واقتناع كيف نمنعه من مواصلة اعمال عقله في الدين؟
لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد على الدكتور مصطفى محمود عندما يطرح بحث الشفاعة؟ شفاعة الرسول للمذنبين يوم القيامة قضية مسلمة عند السواد الأعظم من المسلمين اليوم مع انها تتعارض بصراحة مع القران الكريم ،فمن اين اصبحت من المسلّمات؟
دراسات المهندس عدنان الرفاعي عن الناسخ والمنسوخ والطلاق والعبيد وقطع يد السارق وغيرها لا تزال مثيرة للجدل في الاوساط ولو تاملنا المناظرات التي اجراها مع الدكاترة والاساتذة في علوم الشريعة لوجدنا مدى التفكير الآبائي أو التفكير السلفي لدى هؤلاء، ومشكلتهم تكمن في انطلاقهم من مسلمات لا تقبل النقاش اصلا وهذا ما يجعلنا نعود لسؤالنا الاول : هل هناك مسلمات في الدين ؟ إن وجدت فمن أين نستمدها؟ من القرآن ..أو السنة أو من الفقهاء؟ وكيف يمكن أن نفرق بين المسلمات وبين الآراء الشخصية للعلماء ؟ ماذا عن القران الكريم.. هل يحرضنا للتفكير أم يمنعنا.. هل هناك آيات في القرآن تحدد مجال تفكيرنا وتمنعنا من إعمال عقلنا في قضايا ما ؟
أخيرا ..
هل علينا أن نضع ما ورثناه جانبا ونحاول أن نبدأ بناء تفكيرنا من جديد ونضع مسلماتنا على المحك أم ننتظر..
ننتظر حتى يسمحوا لنا بأن .. نفكر !!![/
وهنا...سأجيب ؟؟؟؟؟...............أنا لا أخشي علي الإنسان الدي يفكر وإن ضل لأنه سيعود إلي الحق....... ولكن أخشي علي الإنسان الدي يفكر وإن اهتدي لأنه سيكون كالقشة في مهب الريح...................؟؟محمد الغزالي